Prof Photo

Prof Photo

اول ما تدخل اذكر الله

"الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"

الأحد، 12 أكتوبر 2014

متسولة أرستقراط



نلتقي يوميا بعشرات المحتاجين والمتسولين في الشوارع والميادين والمحطات .. إلخ, أعمارهم مختلفة وملامحهم أيضا مختلفة فكل شخص منهم سواء ذكر أو أنثى, كبير أو صغير خلفه قصة ما,
وسأحاول تخيلها معكم هنا في مجموعة من القصص القصيرة.

القصة الاولى

متسولة أرستقراط

سيدة في أواخر العقد السادس من عمرها, ملابسها قديمة الهيئة, باهتة الألوان, لكنها ماركات أصلية معروفة, ترتدي قبعة قديمة وكأنها تحاول أن تخفي بها وجهها لا أكثر, ومع ذلك ترى في وجهها نظرة حزن وخجل, لا تمد يدها ابدا فقط تقترب منك بهدوء وتسألك حاجتها بصوت لا تكاد تسمعه, اذا نظرت لها بسطحية قد تعتقد
أن بعقلها خلل فهيئتها لا تتناسب مع التسول أبدًا.

شاهدتها مرات عديدة فقررت أن أعرف قصتها, وفي أحد الأيام ذهبت إلى المكان الذي تمر منه وانتظرتها وعندما رأيتها طلبت منها ان نجلس على محطة الترام الموجودة على بعد أمتار من المكان الذي نقف فيه لترتاح قليلا من الشمس والحر ونرطب حلقنا بمشروب مثلج, وبخجل وأدب وافقت.

جلسنا فعلا وبعد محادثة خفيفة عن صحتها وما إلى ذلك قلت لها " ملابسك و شكلك وأخلاقك دليل على أنك من طبقة أرستقراطية اسمحي لي يا أمي اسألك ماذا حدث لك وسأحترم رغبتك إذا لم ترغبي في الاجابة".

ترقرقت دمعة في عينيها ثم قالت: "أول مرة حد يسألني السؤال ده, ححكيلك بإختصار, أنا ارملة وعندي بنت على وش جواز, جوزي الله يرحمه كان مدير مالي في شركة كبيرة قطاع عام, وأنا مكملتش دراستي بعد تانية ثانوي لإن زمان كنا بنتجوز صغيرين مش زي اليومين دول, كنا عايشين في مستوى كويس الحمد لله وفي شقة كبيرة في منطقة راقية وبنتي ابتدائي واعدادي كانت في مدرسة لغات لكن اللي حصل من عشر سنين هد الدنيا". ثم انهمرت الدموع من عينيها.

أعطيتها منديل لتمسح دموعها وقلت "لو مش عايزة تكملي أو الكلام في الموضوع ده بيضايقك بلاش".

قالت "لا يا ابني أنا محتاجة أفضفض لحد وكويس انك بتسمعني, من عشر سنين لفقوا قضية رشوة لجوزي لما أكتشف إختلاسات كبيرة من رئيس مجلس الادارة ومسئولين كبار, والمحاكمة طولت وقرايبنا قاطعونا من غير ما يستتفسروا او يتأكدوا وصرفت تحويشة العمر ع المحامين وكمان بعنا الشقة وأجرنا شقة صغيرة في منطقة شعبية ودخلت البنت مدرسة حكومي في الثانوي ومش ححكيلك اد ايه كانت بتعاني عشان تتأقلم مع الوضع الجديد, ولما اتحكم على جوزي بالسجن جتله أزمة قلبية وتعب جدا, بس أنا ميأستش وكنت واثقة من براءته ووكلت محامي تاني صغير شوية في السن وفي الشهرة عمله استئناف ولقى ثغرة تهد القضية كلها وأثناء إعادة المحاكمة جوزي جاتله أزمة قلبية تانية بس كانت قوية المرة دي ومات, وبالفلوس اللي اتبقت كملت تعليم البنت لحد ما اتخرجت من كلية تجارة إنجليزي" ثم صمتت.

أنا مزبهلًا: "وبعدين يا أمي, كملي".

هي: "ولا قبلين يا ابني زيها زي جيلكم كله مش لاقية شغل والمعاش البسيط اللي بناخده
ما أنت عارف المعاشات شكلها ايه مبيكفيش عيش حاف بعد ما بندفع الإيجار والميه والكهربا , وبعدين اتقدملها شاب جدع من جيراننا", ثم أستطردت بتنهيدة أسى "في المنطقة الشعبية أكيد وهو موظف صغير وعنده شقة وبيجهزها دلوقتي بس أنا ممعييش أجيب شوارها وحاولت أشتغل بس مبعرفش أعمل حاجة وحاولت أتعلم الخياطة معرفتش وايدي كانت حتروح, أنا عارفة ان اللي بعمله ده مش صح وبنتي لو عرفت ممكن تروح فيها هي معتقدة إني بنزل أدور على شغل, بس أعمل إيه يا ابني اعمل ايه" وانفجرت في البكاء.

لم أجد أي رد سواء مواساة أو نقد أو وعظ أو أي شيء أقوله يخفف عنها أو يكون بديل لها فقط اخذت رقم هاتفها على أمل أن أجد من يساعد في شوار ابنتها وقبل أن ينصرف كل منا في طريقه شكرتني لإنني أنصتُّ لها و جعلتها تفرغ حمل من على صدرها على حد وصفها,
ثم قالت "اول ما بنتي تتجوز حقعد في بيتي مش حخرج منه ان شالله حتى أكل عيش حاف".