التطرف و رفض النقد على طرفي العصا

باديء ذي بِدء التطرف لا يعني الارهاب او التطرف الديني فقط كما هو شائع ، فالتطرف هو أخذ اي شيء من احد طرفيه ، فالمُفرِطين متطرفين و المُفرّطين أيضاً متطرفين وبينهما وسط هو سنة الحياة وهو فطرة الله التي فطر الناس عليها ولذلك جعلنا أُمّةً وسطا " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا "
ولكننا غالبا ما نتطرف إلى احد الطرفين و نبتعد عن الوسط بقصد او بدون وفيما يلي أمثلة على تطرف الطرفين :



عندما تنتقد رواية او كتاب ممثل او مطرب او كاتب فأنت رجعي ومتخلف او جاهل لا تفهم الإبداع مهما كان هذا الشخص او الشيء مبتذل او فاحش
اما اذا انتقدت شيء من الدين حتى ولو كان معلوم بالضرورة فأنت مفكر وصاحب رأي
هذا هو التطرف بعينه و الحرية منه براء

او النقيض الاخر اذا انتقدت شيخ يتكلم خارج تخصصه او رأيه الشخصي في الدين فأنت كافر او منافق او زنديق ولحوم العلماء مسمومة
اما اذا خضت في عرض اي شخص على غير فكرهم او حتى كفرته فهذا يكفله الشرح ويستشهدون بآيات وأحاديث ابعد ما تكون عن أفعالهم
وهذا أيضاً تطرف والدين منه براء
.................................................

عندما اقول لشخص اني لا اسمع تلك الاغاني لانها تخلو من اي منفعة فإنه يتهمني بعدم الفهم والتخلف ويردد المقولة الشهيرة " الخاطئة " الغناء غذاء الروح!!! ويتجاهل حريتي في اختيار ما اسمع او اشاهد
هذا تطرف بإسم الإبداع و الروح التي هي من أمر الله لا يمكن ان نتأول عليها

والآخر عندما يراني العب لعبة فيديو مثلا او لعبة تسلية مثل تنس الطاولة او غيرها مباشرةً يطعن في ديني ويحرم عليّ هذا مع ان الدين فيه فسحة وطالما أحافظ على فروضي
هذا تطرف باسم الالتزام وعشرات الآيات والأحاديث لا تمنع اللهو طالما لا يلهي عن الفروض والثوابت
.................................................

عندما اقول ان الدين منهج حياة متكامل ويدخل في كل شيء لاسيما السياسة والاقتصاد فتأتي الردود الجاهزة مثل الدين لا يدخل في السياسة لانه مقدس والسياسة لعبة قذرة ولعبة مصالح .
هذا تطرف لمنهج معين لا يقبل ان ينافسه منهج اخر ويريد ان يلعب بقذارة طول الوقت

وعلى الطرف الاخر تيارات تستبد باسم الدين اذا خالفتهم في اجتهاد سياسي لا يخالف نص او معلوم من الدين بالضرورة فانهم يفسقوك او يبدّعوك او حتى يخرجوك من الملة ويحتكرون الحديث باسم الدين
وهذا أيضاً تطرف لان الدين فيه مساحة واسعة للاختلاف طالما لا يخالف نص او معلوم من الدين بالضرورة او ثابت من الثوابت

ولا ننسى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم و كان الموقف عن تلقيح النخل

 "فقد أخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا " تمرا رديئا" فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم."


وفي الآيات التالية بيان بسيط يوضح الوسطية في الامثلة التي ذكرت 

" يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) "سورة الأعراف